أيها الأحبة ـ 12

س: وأنتم تعيشون عنفوان الشباب كيف كانت مشاعركم حتى كتبتم في أجواء الموت؟
المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله: منذ أن فتحت عيني على الحياة كنت أطل على شاطئ الموت في (وادي السلام)، لأن وادي السلام هو المقبرة التاريخية الرحبة التي تمتد إلى صدر الإسلام، والتي كان علي عليه السلام يخرج إليها بين وقت وآخر ويخاطب الأموات في آفاقهم الروحية، والتي تحتضن أموات جدداً في كل يوم عندما تأتي الجنائز من سائر أنحاء العراق أو من أكثر من مكان في العالم لتدفن هناك.. وهكذا كنا نلتقي في كل يوم بهذه الجنائز لتدفن إلى جانب مقام الإمام علي عليه السلام في الصحن الشريف، ولهذا كنا نلتقي بالموت في كل صباح ومساء، مما يجعل الإنسان يعيش آفاق الموت. وهكذا كنا نعيش في أجواء الفراغ الاحتفالات بالكبار من الموتى، وكنا نستمع إلى القصائد التي تلقى لرثاء مرجع هنا ومثقف هناك ووجيه هنا، ولذلك كنا ننطلق في شاطئ الموت.
ولقد كان الموت يختلط بالحياة عندنا، ويعيش الإنسان مخاوف من التصوّرات في هذا الجو المليء بالكآبة الذي لا فرح فيه إلا فرح هذا الامتداد في الصحراء التي تشرق عليها الشمس. ومن الطبيعي أن الشباب عندما يعيش في أجواء الإحساس بالموت لا بد أن يشعر بالصدمة، لأن الموت يقتل كل تطلعات شبابه ولا ينفتح به على المستقبل، فلذلك فإن من الطبيعي أن ( نشيد الموت) في الشباب يختلف عن نشيد الموت في الكهولة والشيخوخة، باعتبار أن الشباب قد لا يعيش هذه الآفاق الروحية التي تهوّن عليه مشاعر الانفتاح على الموت.

س: الموت هو مقياس للإنسان، فإن كان موت الإنسان يمثل الخسارة الحقيقة في الواقع، فهو ممن له قيمة في إنسانية، وإن كان موته كحياته، أو لا يمثل واقعية، فهو ممن لا قيمة له، ما تقييمكم لهذه النظرة؟
المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله: صحيح. إن هناك أناساً يموتون قبل أن يموتوا، وهناك أناس يبقون في الحياة حتى بعد الموت، لأن قضية حياة الإنسان تقاس بقدر ما يتصل الأمر بتأثيره في الناس من حوله، فمن الطبيعي أن يبقى حياً في الوجدان مادام عطاؤه يمتد إلى ما بعد الموت، وهذا ما عبر عنه الإمام علي عليه السلام عن العلماء: (والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة).