الإسلام والخرافة - الشيخ علي حسن

{قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ الَى النُّورِ بِاذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ الَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} المائدة: 15-16، هكذا جاء الإسلام ليخرج الانسان من سيطرة الباطل والظلم والوهم والجهل والخرافة (الظلمات) ويدخله في رحاب الحقيقة والعدل والعلم (النور).

صور قرآنية:
قدم القرآن الكريم صوراً من الخرافة: على مستوى العقيدة: {وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ} الأنعام:100.فنسبة الجن لله وعبادتهم باعتبارهم أولاداً ذكوراً هو من الخرافة..كما ان نسبة الملائكة لله وعبادتها كبنات هي من الخرافة وتخرص بلا علم ولا دليل.وهكذا عبدتها أمم على مستوى التشريع: {وَجَعَلُواْ لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُواْ هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلاَ يَصِلُ الَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ الَى شُرَكَائِهِمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ} الأنعام:136-139 وهكذا كان كهنة معابد الأصنام يشرّعون ويدّعون ان هذه التشريعات من عند الله، والهدف بكل بساطة هو أكل أموال الناس بالباطل.
على المستوى الاجتماعي: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَاذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} البقرة: 234.يشير المرجع الديني الشيخ مكارم الشيرازي في تفسيره الأمثل ان في الآية تعريضاً ببعض العادات الجاهلية في مبالغتها في احترام الزوجة لزوجها المتوفى، اذ كانوا يوجبون عليها ان تعيش لمدة معينة بجانب قبر زوجها تحت خيمة سوداء قذرة وفي ملابس رثة بعيدة عن كل نظافة أو اغتسال، أو يمنعونها من الزواج مطلقاً، أو يجعلون أمرها بيد أبنائها، أو يقومون بحرقها، أو بدفنها حية معه في قبره..الا ان الآية جاءت وألغت كل هذه الخرافات، مع المحافظة على احترام الحياة الزوجية باقرار العدة.
على المستوى المعرفي: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ اذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ انَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} المائدة:27.فنفى القرآن الكريم خرافة قصة الحب وصراع الأخوين على فتاة.

عودة الخرافة:
ومما سبق يتبين ان من مهام الدين محو الخرافة وتثبيت الحقائق، ولكن من المؤسف ان نشهد دخول الخرافة من بوابة التدين، فالبعض ممن ينسبون أنفسهم الى التدين بالإسلام هم من وسائل نشر الخرافة واضفاء الشرعنة عليها، وعلى ذلك أمثلة كثيرة جداً.
خذ على سبيل المثال الاهتمام المبالغ به في التعاطي مع قضايا تأثير الجن والسحر والعين، ومناداة الخضر للحضور الى مجالس تُعقد خصيصاً لقضاء الحوائج! وبناء القبور والأضرحة الوهمية في بعض البيوت أو المناطق النائية دون دليل، ومن ثم تشجيع الناس على تقديم النذورات اليها..وبالطبع الكل يعلم الى من ستعود هذه النذور، الا ان البعض مازال يقع في حبائل هؤلاء الدجالين.

منشأ الخرافة:
طرح العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي رحمه الله في تفسيره الميزان بحثاً قيماً حول منشأ الخرافة والسبيل للتخلص منها، حيث اعتبر ان فطرة الانسان تدفعه الى الكمال الحقيقي لا الوهمي، فهو عندما يمرض يبحث عن علاج طبي، وعندما تواجهه مشكلة تربوية ينبغي ان يبحث عن حل تربوي، وعندما ينهار وضعه الاقتصادي، فمن المفترض ان يبحث عن حل اقتصادي حقيقي..ولذا فطرته تدفعه الى ألا يخضع الى الرأي الخرافي والوهمي..اذاً أين تكمن المشكلة؟ اعتبر العلامة رحمه الله ان مشاعر الانسان هي أهم العوامل التي تدفعه للأخذ بالخرافة، وأهم تلك المشاعر: الخوف الناشئ من الشيء الوهمي، والرجاء المتعلق بالشيء الوهمي. ويضرب على ذلك مثال من يدخل الى الصحراء في ليلة ظلماء ثم يتوهم أية حركة أو صوت على أنه صادر عن غول أو بعض الجن، ومن ثم يُقنع نفسه من شدة الخوف ان ما توهمه حقيقة، وينقل ذلك لاحقاً الى مَن حوله، فيصدقه البعض ويرسخون أوهامهم لتتحول الى حقيقة منتشرة بين الناس، ثم يشرعون في وضع التدابير رجاء دفع الشر الموهوم لتتحول هذ التدابير الى سنة راسخة!!

القراءة الخاطئة للنصوص:
وبدوري أضيف عاملين آخرين، الأول هو التمسك بنصوص مدّعاة على الدين، فكما أخبر القرآن عن افتراء الكهنة والأحبار والرهبان على الله، كذلك يفعل اليوم بعض المتلبّسين بالدين..والثاني الفهم الخاطئ لنصوصٍ صحيحة ومثال ذلك التأويل الخاطئ لقوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ الاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} البقرة:27، أو للنصوص التي تتحدث عن وجود الشياطين في أماكن قضاء الحاجة (الحمامات) وهي لغة رمزية اعتمدت لبيان مصادر الضرر من قبيل الجراثيم والفيروسات.

القضاء على الخرافة:
وطرح العلامة الطباطبائي السبيل للقضاء على الخرافة بقوله: (وأما ما سلكه القرآن في ذلك، فهو أمْرُه باتباع ما أنزل الله والنهي عن القول بغير علم، هذا في النظر..وأما في العمل فأمْره بابتغاء ما عند الله فيه، فان كان مطابقاً لما تشتهيه النفس، كان فيه سعادة الدنيا والآخرة، وان كان فيه حرمانها، فعند الله عظيم الأجر، وما عند الله خير وأبقى).