أيها الأحبة 9

نستعرض فيما يلي القسم التاسع من الحوار الذي أجري عام 2000 مع المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله قدس سره، وهو بمثابة مجموعة من الأفكار والوصايا التي تتناول القضايا الحياتية المختلفة، وقد تم نشرها أخيرا في كتيب تحت عنوان (أيها الأحبة)، وبدورنا ننشر مختارات منها في حلقات:

س: عند لحظة الوداع الممتلئة قلقاً، والمنفتحة على عالم الغربة، كيف يمكن ان يكون قلبك؟
المرجع الراحل السيد فضل الله: من الطبيعي ان الانسان يعيش كل قيمه مع الله المطلق في كل شيء، ولهذا فان العيش مع الله يمثل الامتداد الذي يعبر عنه باللانهاية، الأمر الذي يجعل الانسان يعيش طفولة الحب والحنان بين يدي ربه.
انني أشعر دائماً عندما أتطلع الى رحمة الله والى عطفه وحنانه، أنني أعيش في أحضان الله كما كنت أعيش في أحضان أمي وأبي، بعيداً عن كل معنى للجسميّة.لذلك – وأنا أشكر الله على ذلك – أعيش دائماً هذه اللحظة الحنونة بين يدي الله التي تجعل الدموع تنساب في عينيَّ، مما يختلط فيها الحزن والفرح، والخوف والرجاء.
انني أشعر بأحلى لحظات السعادة عندما تأتيني هذه اللحظة، لحظة التجلي ولحظة التوجه بين يدي الله، وهي من أحلى لحظات حياتي، ولهذا فأني أشعر في بعض الحالات بأني أحب الله بعيداً عن كل شيء، وهذا ما عبرت عنه في الخمسينات في بعض المناجاة:
ربّ مالي أبكي ومالي أغنّي
وحياتي تصدّ نجواك عني
أنا أهواك، لا لنعماك تستهـ
وي كياني، ولا لجنّة عدن
أنا أهواك للهوى ترعش الرو
ح، بأفيائه، ويهتز لحني
للسماء الزرقاء، تنساب منها
شعلة النور في جلالٍ وفنّ
للصّبا يوقظ الصبابة في الأعماق
والحب في الضلوع يغنّي
أنا أهواك ان آثامي السود
ستنداح في شعاعك عني
أنا أدري بأن خلف ظلال المو
ت ان ثارت الغريزة سِجني
وبأنّي اذا اقتحمت لذاذاتي
وأترعت بالغوايات دني
سوف أهوي الى الجحيم ولكن
أنا أرجو في ظل عفوك أمني
ربِّ هذي حقيبتي ليس فيها
لي من قربة سوى حُسن ظني

وهكذا كنت أعيش هذه اللحظات في قصيدة اعتراف وابتهال أقول في نهايتها:
فاذا شئتَ ان تعذب جسمي
بغواياته، فحسبي الدعاء
دع لساني يدعوك يا ربّ
وافعل بي ما شئت فالدعاء هناء

كنت أعيش هذه اللحظات، ولا أزال أعيش بعضها، وهذه هي التي كانت ولا تزال تضمد جراحاتي، وتسد كل الثغرات في نفسي، وتجعلني أقوى على مواجهة الصدمات والنكبات والافتراءات وما الى ذلك.ان العيش مع الله هو (ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر).