أيها الأحبة. 8

نستعرض فيما يلي القسم الثامن من الحوار الذي أجري عام 2000 مع المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله قدس سره، وهو بمثابة مجموعة من الأفكار والوصايا التي تتناول القضايا الحياتية المختلفة، وقد تم نشرها أخيرا في كتيب تحت عنوان (أيها الأحبة)، وبدورنا ننشر مختارات منها في حلقات:
< في لحظة وداع الحياة، الإنسان عادة لدية أشخاص يحب ان يراهم، يحب ان يُسِرّ اليهم، يحب ان يوصيهم، من هم هؤلاء؟ وماذا يمكن أن تقول لهم؟
- المرجع الراحل السيد فضل الله: من الطبيعي ان الإنسان يحب ان يجلس مع أقرب الناس اليه، مع عياله وأولاده واخوانه من أجل ان يعيش معهم لحظة الوداع، ومن أجل ان يوصيهم بالقيم التي كان يؤمن بها وبالخطّ الذي كان ينطلق فيه. ومن الطبيعي أن يعيش الانسان في احساسه البشري حرارة في مفارقته لأحبابه، وهذا ما يُروى عن الإمام الحسن عليه السلام في لحظة الوفاة عندما كان يتحدث عن حرارة المؤمن لجهة عنصرين: هول المطلع وفقد الأحبة. «لما حضرت الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام الوفاة بكى، فقيل له: يا بن رسول الله، أتبكي ومكانك من رسول الله الذي أنت به؟ وقد قال فيك رسول الله ما قال؟ وقد حججت عشرين حجة ماشياً؟ وقد قاسمت ربك مالك ثلاث مرات، حتى النعل بالنعل؟ فقال: انما أبكي لخصلتين: لهول المطلع، وفراق الأحبة».
من الطبيعي ان يشعر الإنسان في هذه اللحظة بأنه مجبور على ان يفارق أحبّته من دون ان يُسمح له بالاختيار، ولكن الانسان الذي يستحضر ايمانه في تلك اللحظة قد ينفتح على جو حميم جديد لأحبة يلاقيهم في الدار الآخرة ممن فارقوه، وهذا ما تؤكّده الرؤية الايمانية التي لا تعتبر الفراق فراقاً أبديّاً بالموت، وقد روينا ان علياً عليه السلام عزّى قوماً في ولد لهم، فقال لهم: (إن هذا الأمر ليس بكم بدأ، ولا اليكم انتهى، وقد كان صاحبكم هذا يسافر، فعدّوه في بعض أسفاره، فإن قدِم عليكم، وإلا قدمتم عليه).
ولذلك، فإن فراق الأحبة لن يكون فراقاً أبدياً، فسيقدمون عليه في أجواء الآخرة، وهذا ما حدثنا به الله سبحانه وتعالى عن اجتماع الأحبة اذا كانوا صالحين: {جنّاتُ عدْنٍ يدْخُلُونها ومنْ صلح مِنْ آبائِهِمْ وأزْواجِهِمْ وذُرِّيّاتِهِمْ والملائِكة يدْخُلُون عليْهِم مِّن كُلِّ بابٍ سلامٌ عليْكُم بِما صبرْتُمْ فنِعْم عُقْبى الدّارِ}. (الرعد: 23 – 24).