إسهامات حضارية ـ مقال للشيخ علي حسن غلوم

من المؤسف أن يبقى البعض مصرّاً على تقديم صورة مشوهة للمسلمين من أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام بتصوير أنهم جسم غريب في جسد الأمة الإسلامية، لم يحظَ منهم المسلمون ـ طوال القرون الماضية ـ إلا الفتنة والمعارضة وممالأة العدو وإحداث البدع!

وقد انبرى عدد من أصحاب الاهتمام للرد على هذه الفرية بتأليف مصنفات خاصة لشرح الإسهامات الحضارية العظيمة التي قدمها المسلمون من أتباع أهل البيت عليهم السلام على كافة المستويات والمجالات. ومن بين هذه المصنفات كتاب تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام للسيد حسن الصدر وفلاسفة الشيعة لعبدالله نعمة وأعيان الشيعة للسيد محسن الأمين.

وإذا كان (ويل ديورانت) في كتابه الشهير (قصة الحضارة) قد أشار إلى أن الحضارة تتألف من عناصر أربعة هي: الموارد الاقتصادية، النظم السياسية، التقاليد الخلقية، ومتابعة العلوم والفنون، فإننا لن نتطرق في موضوعنا هذا إلا إلى العنصر الرابع مع الاختصار الشديد.

علوم اللغة والبيان والأدب:

ـ النحو: اتفق المؤرخون على أن أبا الأسود الدؤلي ـ صاحب الإمام علي عليه السلام ـ إما أن يكون واضع علم النحو أو مدوّنه بتعليم من الإمام نفسه. ومن النحاة الشيعة أبوعثمان المازني وابن السكيت وابن حمدون وأبوإسحق النحوي وابن خالويه وغيرهم، وقد ذكر السيد حسن الصدر في كتابه أئمة النحو من الشيعة إلى القرن السابع أنهم بلغوا (140).

ـ الصَّرف: أوّل من دوّن الصرف أبوعثمان المازني، وكان قبل ذلك مندرجاً في علم النحو، وأما أوسع كتاب في الصرف فقد كتبه محمد بن الحسن الاسترآبادي، وكلاهما من الشيعة الإمامية.

ـ اللغة: يعد الخليل بن أحمد الفراهيدي صاحب أوّل معجم لغوي للعربية (كتاب العين) وأوّل من استخرج علم العروض، ويضاف إليه كل من أبان بن تغلب وابن حمدون النديم وابن دريد الأزدي صاحب (الجمهرة في اللغة) والصاحب بن عباد وغيرهم.

ـ الشعر: فمنهم أبوالطيب المتنبي وأبوتمام والفرزدق والشريف الرضي والكميت ودعبل الخزاعي والسيد الحميري وأبوفراس الحمداني وابن الحجاج البغدادي وآخرون.

تفسير القرآن وعلومه:

ـ غريب القرآن: ويعد النموذج الأولي لكتب تفسير القرآن، وممن كتب في ذلك أبان بن تغلب ومحمد بن السائب الكلبي وعطية بن الحارث الهمداني وأحمد الطبري الآملي وآخرون.

ـ مجازات القرآن: شيخ النحاة الفراء وأبوالفتح الهمداني والشريف الرضي وغيرهم.



ـ التفسير الترتيبي: كتب فيه الشريف الرضي تفسيره حقائق التأويل في 20 جزءاً ثم أخوه السيد المرتضى ثم الشيخ الطوسي (التبيان) ثم الطبرسي (مجمع البيان) وهكذا إلى أن بلغ عدد كبار المفسرين أكثر من 120 مفسراً على ما أحصاه العلامة السبحاني.



الحديث وعلومه:

بالإضافة إلى من جمع الأحاديث في كتب صغيرة كالأصبغ بن نباتة وسليم بن قيس وزيد الجهني وجابر الجعفي ويونس بن عبدالرحمن، صُنّفت الموسوعات الحديثية الضخمة بدءاً من القرن الثالث الهجري، وعلى رأسها الكافي للكليني ومن لا يحضره الفقيه للصدوق والتهذيب للطوسي وبحار الأنوار للمجلسي ووسائل الشيعة للحر العاملي وغيرها.

وأما في مجال علم الرجال والجرح والتعديل فقد صنف فيه كل من النجاشي والطوسي والكشي، ومن آخر وأشهر ما ألف كتابا المرجعين الراحلين البروجردي والخوئي.



تدوين السيرة والتاريخ:

وبدأه عبيدالله بن أبي رافع صاحب الإمام علي عليه السلام، ثم ابن إسحاق وأبومخنف ونصر بن مزاحم، وكتبهم من أهم المصادر في تدوين السيرة والتاريخ لمن جاء بعدهم كالطبري وابن الأثير.



الكلام والفلسفة:

من المتكلمين زرارة بن أعين وأبوجعفر مؤمن الطاق وهشام بن الحكم والفضل بن شاذان والحسن النوبختي والشيخ المفيد. ومن الفلاسفة ابن سينا ونصير الدين الطوسي وابن ميثم البحراني والعلامة الحلي وآخرون.



الفيزياء والكيمياء والطب والفلك والجغرافيا:

وفيها برع كل من ابن سينا وجابر بن حيان وهشام بن الحكم واليعقوبي الذي يعد أول جغرافي عربي والمسعودي المؤرخ والمحقق الطوسي والشريف أبوالقاسم القصري ويعقوب النوبختي وغيرهم كثير.

وخلاصة القول إن للمسلمين الشيعة إسهامات حضارية لا يمكن تجاهلها، بل إن إنكارها يعني إنكاراً لكثير من المنجزات العظيمة التي شهدها التاريخ الإسلامي، إلا أن هذا لا يعني أنهم كانوا مفروزين كجسم غريب متمايز في وسط الأمة الإسلامية، بل كانوا كغيرهم ومع اخوانهم من أبناء هذه الأمة يعملون لما يحقق لها التقدم والرقي.





تاريخ النشر 28/02/2009
جريدة الوطن الكويتية ـ منتقى الجمان