المستشار جعفر القزويني ـ بقلم محمد القزويني

رحمك الله يا ابن العم، فلقد خلفت برحيلك الأبدي فراغاً لن يملأ.. ولوعة لن تنطفئ.. لكن عزاءنا أنك في رحمة الله ورضوانه، فلقد كنت خير ملجأ لقاصديك تشمل الجميع بحسن رعايتك واهتمامك وتراعي الله في خطواتك وأفعالك.
لقد كنت عالماً فقيهاً في قضائك، عادلاً في أحكامك، فحزت ثقة كبار المراجع والفقهاء، حيث أولوك صلاحية القضاء ذلك المنصب الخطير الذي هو من مسؤوليات الفقيه العادل المطلق، فكنت مرجعاً لزملائك في القضاء من السنة والشيعة، حتى غدت أحكامك أدلة يستند إليها القضاة السنة قبل الشيعة لمتانتها في الاستدلال وعمقها في التحقيق واستنادها على الأدلة والنصوص، واستقبلت النقد بكل رحابة صدر لتوضح ما أشكل على غيرك فساعدت في كشف ما جهلوه ليقوموا بتبني ما قضيت به وحكمت، وأسست لكثير من المبادئ التي صارت فيما بعد عرفاً قضائياً تسير عليه محكمة الأحوال الشخصية في الكويت، فكنت تسعى للأخذ برأي مراجع التقليد من الفقهاء وتبني حكمك على فتاواهم، فغدا ذلك منهجاً يلتزم به القضاة..
كما سننت سنة حميدة أخرى صارت فيما بعد قانوناً عاماً حين مازحك أحد القضاة في محكمة الأحوال الشخصية حينما لم تطبق مبدأ الوصية الواجبة قائلاً لك (لقد أقسمت اليمين على أن تلتزم قوانين الدولة) فأجبته بنفس الأريحية (وهل أقسمت بالله على معصية الله) ثم شرعت توضّح له كيف أن الوصية الواجبة لا تنسجم مع المذهب الشيعي، وبالنهاية تم تبني مبدأ (ألا تطبق أحكام قانون الأحوال الشخصية على من يتعارض ذلك مع مذهبه)، فكان لك الفضل في ذلك.. وهكذا صار مكتبك مجلساً للنقاش القانوني والفقهي المفيد والبنّاء.. يفد إليه المنصفون والباحثون عن المعرفة من جميع المذاهب، والمتشوقون لمعرفة مبادئ القضاء في الفقه الشيعي.
إضافة لذلك فقد سعيت وبكل جهد ومثابرة الى إنشاء محكمة استئناف للشيعة لتقف إلى جانب مثيلتها محكمة الاستئناف السنية في إحقاق الحق وتصحيح الأحكام حتى تحقق لك ما أردت، فكنت خير معين لمجتمعك تخدمه بهدوء وحكمة، تحاول بكل قوة، القضاء على الفرقة بين المجتمع، وتزيل مواطن الشقاق، وتعمل على تثبيت الأحكام الشرعية وانسجامها مع الأحكام القانونية كي تمنع المتلاعبين الذين لعبوا على وتر الاختلافات المذهبية.. فأوجدت مبدأ قانونياً آخر هو تطبيق أحكام المذهب الذي تم عقد قران الأزواج بموجبه لتسد ثغرة كان أولئك المتلاعبون يلِجون منها.. وهكذا حفظت الأعراض وصنت الصالح العام.
لقد فقدت فيك الكويت يا سيد جعفر عالماً مصلحاً وعاملاً مجتهداً لم ترد أن تعيش لنفسك فشمرت عن ساعد الإصلاح لتضع بصماتك واضحة جلية في العمل القضائي، فجزاك الله خير جزاء المحسنين العاملين، وما أتعسه من زمن تغيب فيه الشموس المضيئة والأشجار المثمرة في ذروة الحاجة إليها، لكنها حكمة الباري التي اختارتك لجواره. وإنني إذ أنعى فيك يا أبا هاشم شخصية لبست لباس الفقهاء فزانته، وامتطت صهوة القضاء فصانته، أتحسر على تلك المجالس التي كانت تجمعنا بك، فكنت خطيبها وأديبها لا تبخل علينا بلطائف الأدباء وأخبار المحدثين الحكماء ولا نعدم منك من حسن التوجيه والرأي فإنا بفقدك يا سيد جعفر مكلومون، وبفراقك محزونون رحمك الله وأعلى في الجنان مثوبتك، وأحسن لأهل الكويت العزاء بفقدك.