أيها الأحبة 6

نستعرض فيما يلي القسم السادس من الحوار الذي أجري عام 2000 مع المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله قدس سره، وهو بمثابة مجموعة من الأفكار والوصايا التي تتناول القضايا الحياتية المختلفة، وقد تم نشرها أخيراً في كتيب تحت عنوان (أيها الأحبة)، وبدورنا ننشر مختارات منها في حلقات:
< آخرُ لحظة: فترة من الزمن هي الأكثر احراجاً دائماً، يعيشها الإنسان بما كان يحمل من موروث يحدد له هويته عند الله حين لقائه، سماحة السيد: كيف تقيمون هذه اللحظة من حياة الإنسان؟
- المرجع الراحل السيد فضل الله: من الطبيعي أن الذي يؤمن بالدار الآخرة، لابد له، عندما يقترب منها أو يعاين المشاهد الأولى لها، أن يستغرق فيما يُقبل عليه من خلال ما مضى منه، لأن دار الآخرة هي الدار التي تنكشف فيها الحقائق من خلال العقائد التي كان يعتقدها، أو المفاهيم التي كان يحملها، أو الخطوط التي كان يتحرك فيها، أو العلاقات التي كان ينشئها ويتفاعل معها، مما كان يعتبر حقاً وعدلاً واستقامة، ولذلك فإن من الطبيعي ان يعيش فيما يختزن في داخل نفسه من معنى الدار الآخرة شيئاً من القلق لما يقبل عليه، لأن هذه اللحظة هي اللحظة الحاسمة في مصيره الذي ينتهي اليه.. هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، فإن هذه اللحظة الحاسمة تمثل بالنسبة اليه اللحظة التي ينسى فيها كل هموم الدنيا وكل أحزانها وكل مشاكلها التي تتحرك في ما يشغل الناس وفي ما يثيرهم وفي ما يدخلهم في الخلاف والنزاع، لأنه سوف يكون في شغل عن ذلك كله بالعالم الجديد الذي تختلف مقاييسه وقواعده واهتماماته عما كان. لذلك فاني أتصور أنني في تلك اللحظة سوف أعيش هموماً جديدة وتطلعات جديدة وآمالاً جديدة، لأن هناك ضباباً مستقبلياً في ما يتراءى لي، باعتبار ان الإنسان لا يستطيع ان يؤكد كل عمله، فقد يخطئ في ما يعتقد الإصابة فيه، وقد ينحرف فيما يعتقد الاستقامة فيه، ولكن الإنسان المؤمن عندما يُقبل على الساعة الحاسمة في الوقوف بين يدي الله يبقى يعيش في رحمة الله التي كان وجوده انطلاقاً منها، وكانت كل حركات وجوده في أحضانها وآفاقها، ولذلك فإني أختزن في نفسي ان رحمة الله التي كنا نعيش في تطلعاتها في الدنيا هي رحمة الله التي نعيش فيها عندما ننفتح على الآخرة.