خطبة الجمعة 17 شوال 1445- الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: خيرُ المؤمنين

- عن النبي (ص) أنه قال: (خيرُ المؤمنين مَن كان مَألفة للمؤمنين، ولا خير فيمن لا يُؤلَف ولا يَألَف).. فما معنى ذلك؟ وكيف يتحقق؟
- ابن فارس في مقاييس اللغة يقول: (الهمزة واللام والفاء أصل واحد يدل على انضمام الشيء إلى الشيء والأشياء الكثيرة أيضاً... وكلُّ شيء ضممتَ بعضَه إلى بعض فقد ألّفته تأليفاً)، ومن هذا المعنى جاء استعمال (الألْف) كرقم، و(ائتلاف)، و(إيلاف) في السورة القرآنية، و(أليف) كأن يقال: (حيوان أليف) لأن لديه القابلية أن يجتمع بالإنسان.
- إذاً، أن يكون المؤمن (مَألفة للمؤمنين) فهذا يعني أن يكون صاحب شخصية أريحية، أن يكون (اجتماعياً) بحسب المصطلح الحديث، فيأنسون به، ويُحبّون مجالسَته، ويشتاقون إليه إذا غاب عنهم، ويفتقدونه إذا رحل عن الدنيا.
- وفي المقابل نجده يُحبّ مجالستهم، ويشتاق إليهم، ويفتقدهم إذا رحلوا عن الدنيا، ولذا فهو كما جاء في الحديث: (يُؤلَف) و(يألَف).
- فما الذي يُحقق هذه الألفة بين المؤمنين؟ العوامل عديدة، من بينها:
1. الانطباعات الظاهرية الناشئة عن حُسن الترحيب، والاحترام والتقدير، والبَشاشة... ففي الحكمة الخامسة من نهج البلاغة عن علي (ع): (والْبَشَاشَةُ حِبَالَةُ الْمَوَدَّةِ).
2. إخبار الطرف الآخر بأنك تحبّه، وأنك دعوتَ له بظهرِ الغيب، وذكرتَه بما هو خير... إلخ. عن علي (ع) عن النبي (ص) أنه قال: (إذا أحبَّ أحدُكم أخاه في الله، فليبيّن له، فإنه خيرٌ في الأُلفة، وأبقى في المودّة).
3. تجنُّب النقاشات العقيمة، وقد روي عن الصادق (ع) قوله: (إياكم والخصومة في
الدين، فإنها تُشغل القلب عن ذكر اللَّه عز وجل، وتُورِث النفاق، وتُكسب الضغائن).
4. خفّة المؤونة، والبُعد عن التكلّف.. البعض تخاف أن تتكلم أمامه فيسخر منك، وتخاف المزاح معه فيسيء الظن بك، وتخاف أن تهديه شيئاً فيعبّر لك عن احتقاره لها، بل تخاف أن تلقاه فلا يرحمُك من تعليقاته المزعجة... ولذا تكون العلاقة معقّدة، عسيرة، حذرة، مصطنعة، مُتكلِّفة... وعن علي (ع): (شرُّ الْإِخْوَانِ مَنْ تُكُلِّفَ لَه).
5. تجنُّب الضغينة وتكديس المشاعر السلبية... فقد تصدر بعض الأخطاء العابرة تجاهك فإن كنتَ متسامحاً تحملهم على مَحملٍ حسَن، وتعفُ عمّن اعتذر لك منهم، كنت (مألَفة).
- وفي الحكمة 205: (مَنْ لَانَ عُودُهُ، كَثُفَتْ أَغْصَانُه)، المتصلّب في علاقاته كالعود اليابس سرعان ما ينكسر، وأما من لان عوده فإنه يكون ذا شخصية اجتماعية مريحة.