أيها الأحبة ـ 5

نستعرض فيما يلي القسم الخامس من الحوار الذي أجري عام 2000 مع المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله قدس سره، وهو بمثابة مجموعة من الأفكار والوصايا التي تتناول القضايا الحياتية المختلفة، وقد تم نشرها مؤخراً في كتيب تحت عنوان (أيها الأحبة)، وبدورنا ننشر مختارات منها في حلقات:
س: ما هي أهم شخصية أثرة فيكم على مستوى التحوّل ؟
المرجع الراحل السيد فضل الله: إنني لا أتصوّر الآن شخصاً مّمن عايشته كان له هذا الأثر في التحوّل، ولكني أستطيع أن أؤكد أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان له أبلغ الأثر في كثير من كلّ هذه الحياة التي عشتها. والثاني هو الإمام علي عليه السلام الذي أعيش التصوف في الانفتاح عليه، بحيث أنني لا أملك نفسي عندما أتحدث عنه، وأشعر بأنّي أذوب حباً وإعجاباً وتعظيماً له، لأن علياً عليه السلام ـ وهو تلميذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتلميذ القرآن ـ عاش رحابة الحياة كلها، ورحابة الحقيقة بكل مفرداتها.. ومن الطبيعي أن يلتقي الإنسان بالحسين عليه السلام. أمّا في انفتاح حياتي بالطريقة التي كنت فيها أبتعد عن كل هذه الزنزانة البيئية التي كانت تحيط بي، فقد كان أبي ذا أثر كبير في ذلك.
س: في الموت تختم مسيرة الإنسان وينتقل من مرحلة العمل والعطاء إلى مرحلة قد لا يكون عاملاً فيها ولكنها تكون هي العاملة فيه، كيف تفهمون الحياة؟
إنني أفهم أن مشاعر الإنسان في الموت تقفز إلى جانب السلب عندما تتجمد الحياة في داخل جسده، ولكني ـ من الناحية الفكرية ـ أتطلع إلى الموت أنه الجسر الذي يربط بين الحياتين، كما هي عقيدتنا وإيماننا، ولكني أشعر بأن التفاصيل التي يختزلها الفكر من موقع الإيمان ليست واضحة أمامنا، باعتبار أن الساحة في الآخرة تختلف عن الساحة في الدنيا، وقوانين الآخرة تختلف عن قوانين الدنيا، ولذلك فمن الصعب جداً أن يتصور الإنسان الآخرة بالطريقة المماثلة التي يتصور بها الدنيا. ولعل هذا ممّا نفهمه من الحديث القرآني عن أهل الجنة: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)السجدة: 17، أو الحديث الذي يقول: (فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر). لذلك، إن التصور لهذه المرحلة لا يمكن أن يكون تصوراً تفصيلياً واضحاً، ولكنه تصور يمنح الإنسان المفاهيم، ولكن دون أن تنزل إلى الإحساس تماماً، كما هي التجارب التي يعيشها الإنسان في حياته.