خطبة الجمعة 26 رمضان 1445- الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: يوم القدس في ظل الطوفان

- في كل عام في مثل هذه الجمعة نخصص حديثنا ليكون حول يوم القدس العالمي، اليوم الذي أعلنه الإمام الخميني قبل أكثر من أربعة عقود مناسبةً لابقاء القضية الفلسطينية حية في الضمير العالمي، رغماً عن كل الجهود التي تُبذَل لتجعلها طيَّ النسيان، وتعتبرَها قضيةً خاسرةً لا سبيل معها إلا قبول الأمر الواقع، والخضوع للإرادة الصهيونية والاستكبارية.
- يوم التاسع من أغسطس من عام 1979 يوم مشهود، إذ انطلق الاحتفاء بيوم القدس العالمي، بنداءٍ من الإمام الخميني معتبراً إياه (رمزَ مواجهة المستضعفين للمستكبرين)، وباعتبار القضية الفلسطينية القضية المركزية التي يجب أن تبقى حية وفاعلة، لأن (مسألة القدس) بحسبه (ليست مسألة شخصية، وليست خاصة ببلدٍ ما، ولا هي مسألة خاصة بالمسلمين في العصر الحاضر، بل هي قضية كل الموحِّدين والمؤمنين في العالم، السالفين منهم والمعاصرين واللاحقين) ولأن (إسرائيل تُعتبر بنظر الإسلام والمسلمين وكلِّ الموازين الدولية غاصبةً ومعتدية، ونحن نرى أن من غير الجائز التهاون والتساهل في الوقوف بوجه اعتداءاتها.. لقد قلتُ مراراً ولابدّ أنكم سمعتموني: أن إسرائيل لن تكتفي بهذه الاتفاقيات، وإنها تعتبر الحكومات العربية من النِّيل إلى الفرات حكومات غاصبة).
- والحقيقة أن إحياء هذه المناسبة يمثّل أضعف الإيمان في مواجهة غطرسة الكيان الصهيوني، وعدوانه المستمر، ومخططاته الشيطانية.
- وإحياء هذه المناسبة في هذه السنة يأتي بطابع مختلف، هو مزيج من الإحساس بالعزة والفخار، والحزن والترقب.
- العزة والفخار بما تحقق في السابع من أكتوبر من خلال طوفان الأقصى، والبطولات التي تحققت وما زالت تتحقق على يد أبطال المقاومة في مواجهة الكيان الصهيوني المدعوم عالمياً بالمال بلا حساب، وبالسلاح المتطور الفتاك، وبالتكنولوجيا المتقدمة، وبالدعم السياسي واللوجستي المفتوح.
- بطولاتٌ يندر أن نشهد لها مثيلاً في تاريخ المواجهات مع الكيان الغاصب، وانتصاراتٌ أذهلت الجميع على مستوى التكتيك، والإعدادِ، والتنفيذِ، وصبرِ المجاهدين وجلَدِهم، والنتائج المتحققةِ على أيديهم في إجهادِ العدوِّ وإرباكِه إلى أقصى مستوى، وفي تدمير أحدثِ المدرعاتِ وناقلات الجُند، والقضاءِ على آلاف الجنود الصهاينةِ والمرتزقة بمن فيهم قواتُ النخبة على أنواعهم، وبجانبِ آلافٍ من الجرحى والمصابين منهم، وهو ما جعل مسؤولي الكيان يبحثون عمَّن يمكنهم أن يُغطّوا النقص الكبير في أفراد الجيش المعتدي، ودخلوا في سجالات وصدامات مع الحريديم أملاً في تجنيدهم، بل ووصل بهم الأمر أن يفكّروا في تجنيد الفلسطينيين المعروفين باسم عرب 48.
- وأما الحزن والترقب، فنتاج الوحشية الصهيونية في القتل، والتدمير، والتعذيب، والحصار، والتجويع، وإلى مستويات باتت صور الجرائم النازية -والتي يُضرب بها المثل في الجرائم المعاصرة- باتت شيئاً تافهاً بالقياس إليها.
- وكلما لاح في الأفق أمل بأن تنتهي الحرب العدوانية، ليتنفس مئات الآلاف من النازحين الفلسطينيين الصعداء، وليعودوا إلى أحيائهم المدمّرة تماماً، وليجدوا فرصة للمبيت ليلة بلا صواريخ وحمم المتفجرات، إذا بالمجرم نتنياهو يتمادى في إسعار نيران الحرب
أكثر بُغيةَ إنقاذِ نفسه من حبل المشنقة السياسية التي تنتظره فور توقف الحرب.
- ومع هذا كله، فإنّ مما يُهوِّن الخطْب أننا نؤمن بوعد الله وبشاراته حيث يقول: (وَلَنَبۡلُوَنَّكُم بِشَيۡءٖ مِّنَ ٱلۡخَوۡفِ وَٱلۡجُوعِ وَنَقۡصٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ، ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ، أُوْلَٰٓئِكَ عَلَيۡهِمۡ صَلَوَٰتٌ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةٌ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ) [البقرة :١٥٥-١٥٧].. فحاشاه أن تضيع عنده كل هذه التضحياتُ، وهذه الدماء، وهذا الصبر، سُدى.. وأملُنا بالله تعالى أن يكون نصرُه قريباً: (أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا يَأۡتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلِكُمۖ مَّسَّتۡهُمُ ٱلۡبَأۡسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلۡزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصۡرُ ٱللَّهِۗ أَلَآ إِنَّ نَصۡرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ) [البقرة: 214]، ومن مسئوليتنا الإيمانية والأخلاقية والإنسانية - ونحن نستعدُّ للاحتفال بعيد الفطر المبارك- أن لا ننسى أهلَ غزةَ في معاناتهم اليومية الصعبة، وعلى أكثرَ من صعيد، خصوصاً في الاستمرار بإرسال المساعدات.. فكما نُحبّ أن نزرع البسمة على وجوه أطفالنا من خلال الهدايا المالية التي نقدّمها لهم، فلنسعَ أن نزرعَ البسمةَ على وجوهِ أطفالِ غزةَ المنكوبين، ولو كانت تلك البسمةُ ملطخةً بالدماء والبارود. وبانتظار اليوم الذي نشهدُ فيه تحققَ أمنياتِ المخلصينَ بخلاصِ الأرضِ المقدسةِ من دنَسِ المحتلين، وإرجاع الحقِّ إلى أصحابِه، وزوالِ الكيانِ الغاصبِ إلى الأبد