في رحاب الصحيفة السجّاديّة

الصحيفة السجّادية للإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الملقب بزين العابدين وسيد الساجدين عليه السلام من ذخائر التراث الإسلامي ومن مناجم كتب البلاغة والتربية والأخلاق والأدب في الإسلام، ومن هنا سمّيت بــ «إنجيل أهل البيت» و «زبور آل محمد».
سند الصحيفة السجّادية:
ينتهي سند الصحيفة إلى الإمام محمد الباقر عليه السلام وإلى أخيه الشهيد زيد بن عليّ بن الحسين، وقد ذكرت سلسلة السند في مقدمة الصحيفة، وحظي هذا السند بالتواتر، وما زال العلماء يتلقّونها موصولة الإسناد بالإسناد.
مميزات الصحيفة السجّاديّة:
1 ـ إنّها تمثّل التجرّد التام من عالم المادّة والانقطاع الكامل إلى الله تعالى والاعتصام به.
2 ـ إنّها تكشف عن كمال معرفة الإمام عليه السلام بالله تعالى وعميق إيمانه به.
3 ـ فتحت الصحيفة للإنسان المسلم أبواب الأمل والرجاء برحمة الله الواسعة.
4 ـ كما فتحت للمناظرات البديعة مع الله تعالى باباً مهمّاً يتضمّن أنواع الحجج البالغة لاستجلاب عفو الله وغفرانه، مثل قوله عليه السلام: « إلهي إن كنتَ لا تغفر إلاّ لأوليائك وأهل طاعتك فإلى من يفزع المذنبون؟! وإن كنتَ لا تُكرِم إلاّ أهل الوفاء لك فبمن يستغيث المُسيئون؟!».
5 ـ تضمّنت الصحيفة برامج أخلاقية روحية وسلوكية مهمّة لتربية الإنسان، ورسمت له اُصول الفضائل النفسية والكمالات المعنويّة.
6 ـ تصدّت الصحيفة لمواجهة الفساد الفردي والاجتماعي والسياسي في عصر شاع فيه الفساد الأخلاقي والخلاعة والمجون بين المسلمين، فكانت الصحيفة خير وسيلة للإصلاح في أحلك الظروف التي اتّبع فيها الحكام سياسة القمع والإرهاب.
7 ـ الصحيفة ـ بعد هذا ـ منجم من مناجم البلاغة والفصاحة وينبوع ثرّ للأدب الإسلامي الهادف.
8 ـ ضمّن الإمام زين العابدين عليه السلام أدعيته منهاجاً كاملاً للحياة الإنسانية الفريدة، ولم يترك الإمام جانباً ممّا تحتاجه الاُمّة الإسلامية إلاّ وتعرّض له وعالجه باُسلوبه الفذّ وبلاغته البديعة.
الدور التأريخي للصحيفة السجّاديّة :
واجه المسلمون في عهد الإمام زين العابدين عليه السلام الخطر الذي نجم عن انفتاحهم على ثقافات متنوّعة وأعراف تشريعية وأوضاع اجتماعية مختلفة بحكم تفاعلهم مع الشعوب التي دخلت في دين الله أفواجاً، وكان لا بدّ من عمل على الصعيد العلمي يؤكّد في المسلمين أصالتهم الفكرية وشخصيتهم التشريعية المتميزة المستمدة من الكتاب والسنّة، وهذا ما قام به الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام من خلال دوره العلمي في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله تدريساً وتبياناً لمفاهيم الإسلام وأحكامه.
كما واجه المسلمون خطراً آخر تمثل في موجة الرخاء التي سادت المجتمع الإسلامي في أعقاب ذلك الامتداد الهائل، لأنّ موجات الرخاء تعرّض أيّ مجتمع إلى خطر الانسياق مع ملذّات الدنيا والإسراف في زينة هذه الحياة المحدودة وانطفاء الشعور الملتهب بالقيم الخلقية والصلة الروحية بالله واليوم الآخر. وقد أحسّ الإمام عليّ بن الحسين بهذا الخطر، وبدأ بعلاجه، واتّخذ من الدعاء أساساً لهذا العلاج، وكانت الصحيفة السجادية من نتائج ذلك، فالإمام بما اُوتي من بلاغة فريدة وقدرة فائقة على أساليب التعبير العربي وذهنية تتفتّق عن أروع المعاني وأدقّها في تصوير صلة الإنسان بربّه ووجده بخالقه وتعلّقه بمبدئه ومعاده وتجسيد ما يعبّر عنه ذلك من قيم خلقية وحقوق وواجبات، استطاع أن ينشر من خلال الدعاء جوّاً روحياً في المجتمع الإسلامي يساهم في تثبيت الإنسان المسلم عندما تعصف به المغريات، وشدّه إلى ربّه حينما تجرّه الأرض إليها وتأكيد ما نشأ عليه من قيم روحية، لكي يظلّ أميناً عليها في عصر الغنى والثروة كما كان أميناً عليها وهو يشدّ حجر المجاعة على بطنه.
وهكذا نعرف أنّ الصحيفة السجّادية تعبّر عن عمل إجتماعي عظيم كانت ضرورة المرحلة تفرضه على الإمام، إضافةً إلى كونها تراثاً ربّانياً فريداً يظلّ على مرّ الدهور مصدر عطاء ومشعل هداية ومدرسة أخلاق وتهذيب وتظلّ الإنسانية بحاجة إلى هذا التراث المحمّدي العلوي، وتزداد حاجةً كلّما ازداد الشيطان إغراءً والدنيا فتنة.