خطبة الجمعة 20 شعبان 1445- الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: النزاع حول الحضانة

- عند وقوع الاختلاف بين الزوجين أو الفراق بالطلاق، عادةً ما يبرز موضوع علاقة الأبوين بالطفل -أو الأطفال- كمورد من موارد النزاع بينهما، وهذه العلاقة تأتي ضمن عناوين متعددة: 1. الولاية 2. النفقة 3. الحضانة 4. المبيت
- الولاية: (حق، يقتضي أولوية الأب -أو الجد للأب- برعاية القاصر في شئونه، من قبيل صحته النفسية والجسدية، واحتياجاته الدينية والدنيوية، ويستمر ذلك حتى يبلغ درجة الأهلية، بالجمع بين البلوغ والعقل والرشد).
- بشكل إجمالي، الولاية هنا ترتبط بالقرارات الخاصة بالطفل... مثلاً... هل يدرس الطفل في هذه المدرسة أم تلك؟ هل يسافر في رحلة مدرسية أم لا؟ هل يعالج بالجراحة أم لا؟ هل يحفظ أموال الطفل في بنك أم يستثمرها في مشروع معين أم ينفقها عليه في مصلحته؟
- الأب أو الجد للأب هو الذي يتخذ هذه القرارات إلى أن يبلغ الطفل ويكون عاقلاً راشداً، ولا علاقة لهذا باستمرارية العلاقة الزوجية أم لا. وقد يقوم مقامهما الوصي مثلاً لوفاتهما.
- أما الحضانة فتُعرَّف بأنها: (حقٌّ يقتضي أولوية شخص بعينه، بأن يتواجد الولد عنده ويكون معه وفي «حضنه»، ليدبِّره في أموره العادية، من طعامه، ولباسه، ونومه، ودفع الأذى عنه، ونحو ذلك من الأمور التي ترجِع إلى شخصه بخاصة)، أي أن الحضانة ترتبط بالرعاية الفعلية العملية للطفل، ومباشرة احتياجاته.
- قد لا تتداعى مسألة الولاية والحضانة عندما يعيش الزوجان والأطفال معاً في مسكن واحد، ولكن، عندما يفترق الزوجان بالطلاق أو غيره، تبرز الإشكاليات وتُطرَح التساؤلات حول الفرق بين الولاية والحضانة، ولمن تكون؟ ومتى تسقط؟
- هناك اختلاف بين الفقهاء في من يكون الأحق بالحضانة في السنوات الأولى من عمر الطفل... ومن بين هذه الفتاوى، وهو المعمول به بحسب قانون الأحوال الجعفرية في دولة الكويت أن الوالدة -ما لم تتزوج- لها حق الحضانة إلى أن يبلغ الطفل 7 سنوات، وبعد ذلك تنتقل إلى الأب إلى أن يبلغ الطفل رشيداً، فيُخيَّر بعدها.
- وأما النفقة، فهي خلال هذه السنوات السبع وما بعدها من مسئولية الأب.
- والمبيت يتبع الحضانة... هذه هو الجسد التشريعي والقانوني للمسألة، ولكن تستوقفنا الآية التالية: (...لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ...) [البقرة:233]... فما مضمون رسالة هذا المقطع من الآية الشريفة؟
- الحضانة ليست إجراءً شكلياً، أو عملاً آلياً مجرّداً من المشاعر والأخلاق.
- والقرآن الكريم يقدّم صورة رائعة لمشاعر الأم حين تفقد حضانتها للطفل، ففي قصة النبي موسى (ع): (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [القصص:10].
- من هنا، لا بد من التأكيد على أن الأصل هو مراعاة الأطراف المشترَكة في الموضوع.
- هناك ثلاثة أطراف: الأم، والأب، والطفل... ولكلٍّ منهم احتياجات، ومشاعر، وظروف. فما الذي يفرضه هنا كلٌّ من: التقوى، والعقلانية، والأخلاق الكريمة؟
- الانتقام والعناد كما يحدث غالباً؟ منع الأب من أن يكون الطفل معه خلال السنوات السبع الأولى إلا بمقدار سويعات قلائل كل أسبوع؟ منع الأم من أن يكون الطفل معها بعد هذه السنوات إلا بذلك المقدار؟
- الطفل بحاجة إلى الطرفين في نموّه، وفي تكامله العقلي والنفسي والتربوي والإيماني والجسدي... والحرمان بتلك الصور التي ذكرتُها مضرّ بتلك الحاجة، ويتنافى مع التقوى والحكمة والأخلاق.
- ومن هنا نلاحظ أن آية عدم الإضرار تأمر بالتقوى: (وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [البقرة:233].... والآية 231 تحذِّر من استغلال الحكم الشرعي بتوظيفه كأداة للانتقام مثلاً: (وَلاَ تَتَّخِذُواْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).... والآية 237 تنصح بالتسامح، والرجوع إلى الذكريات الجميلة لتخفيف الاحتقان وتجنب القرارات العنيفة: (وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
- تقول المسألة الشرعية: (ينبغي أن يتفاهم الوليُّ مًع مًن له حق الحضانة -وهو الأم غالبـاً- على كيفية القيام بشؤون الولد، وأن ينسِّقا العمل بينهما في الاتجاه الذي يحفظ حقَّ كلٍّ منهما، ويُحقّقَ مصلحة الولد).
- عدم مراعاة ما سبق، بالإضافة إلى الإضرار بأحد الوالدين، إضرارٌ بالطفل في المقام الأول... الطفل هو الضحية الكبرى -في المقام الأول- خاصة عندما يُلجأ إلى تسلّمه وتسليمه في مراكز الرؤية التي تمّ إعدادها كموضع محايد في حالات النزاع.
- هذا مدمّر لنفسية الأطفال، ولكن للأسف في بعض حالات النزاع قد يبلغ العناد أو الرغبة في الانتقام حداً لا يُراعى فيه مصلحة الطفل.
- من المهم أن نلتفت إلى أن الشريعة -في القضايا الاجتماعية- تُقدّم حلاً أدنى في العلاقة عند الخصومات، لا أنها تُلزم بذلك ولو مع تراضي الطرفين على خلافه.
- فلو تراضيا على أن يكون الطفل دائماً في حضانة الأم لأنهما شخّصا المصلحة في ذلك، فلا بأس... ولو تراضيا على أن يكون دائماً في حضانة الأب، مراعاةً لمصلحته، فلا بأس... ولو تراضيا على التقاسم خلال الأسبوع، فلا بأس... المهم مراعاة المصلحة.
- وقد جاء في المسألة الشرعية: (حقُّ الحضانة من الحقوق التي تقبل الإسقاط، فيسوغُ لمن له الحق أن يتنازل عنه لغيره).
- وتقول المادة 246 من قانون الأحوال الشخصية الجعفرية في الكويت: (يجوز لكل من الأبوين التنازل عن حق الحضانة للآخر بالنسبة إلى تمام مدة حضانته أو بعضها).
- ومثل الحضانة تأتي مسألة الولاية، فولاية الأب لا تعني أن يتخذ قرارات مجحفة بحق الطفل. مثلاً، لو قررت الأم أن تسافر بمعية طفلها، والظروف مناسبة لسفره معها، وفي مصلحته، فمن المفترض أن لا يوظِّف الأب ولايتَه لاختلاق مشكلة بمنع الطفل من ذلك.
- إنَّ مسألة الولايةِ على الطفل، وكذلك حضانتُه، من المسائل الحساسة، لاسيما عند وقوع التنازع بين الزوجين بسبب الطلاق أو لغير ذلك، وينبغي التعاملُ معها على أساسٍ من التقوى والحكمة والأخلاق الكريمة، وذلك بمراعاةِ مصلحةِ كل الأطراف، بعيداً عن الأنانيةِ وروحيّةِ الانتقام واللامبالاة، وهو ما يستدعي التفاهمَ وتقديمَ التنازلات لاسيّما في ما يصبُّ في مصلحةِ الطفل، فهو الضحيةُ الكبرى في مثل هذه النزاعات، في حين أنه بأمسِّ الحاجةِ إلى ظروفٍ تخدمُ نموَّه الطبيعي، وتكامُلَه العقليِّ والنفسيِّ والتربويِّ والإيمانيِّ والجسدي... وأما المسألةُ الشرعيةُ التي تحدّدُ سنواتِ الحضانةِ لهذا الطرفِ أو ذاك، فلا تستهدفُ حِرمانَ هذا الطرفِ أو ذاك، وإنما تأتي لفضِّ النزاعِ عند عدمِ إمكانيةِ التفاهم، وبلوغِ النزاعِ بين الطرفينِ حدّاً غيرَ قابلٍ للحلِّ الوُدّي، وهو ما أكّدت عليه فتوى الفقهاء، وكذلك المادة 246 من قانون الأحوال الشخصية الجعفرية في دولة الكويت.
أخيراً نتوقف عند المجزرة الأخيرةِ التي ارتكبها الصهاينةُ بحقِّ المنكوبين في غزة حين تجمّعوا بالمئات لاستلام حصةٍ من الطحين يُنقذون بها أنفسَهم وأسرَهم من المجاعة، فإذا بهم يتحوّلون إلى أشلاءَ بفعلِ صواريخِ العدوانِ الهمجيِّ على الرغمِ من التنسيقِ المسبقِ في تقديمِ هذه الإغاثة بعدَ أسابيعَ من الحرمان. إنَّ هذه الوحشيةَ التي يعملُها الصهاينةُ ستكونُ في نهايةِ المطافِ وبالاً عليهم، وعداً حقاً: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ)، وأما الشهداء، وأما الصابرون، ففي رحمةِ الله العزيزِ الحكيم.