أيها الأحبة ـ 4

نستعرض فيما يلي القسم الرابع من الحوار الذي أجري عام 2000 مع المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله قدس سره، وهو بمثابة مجموعة من الأفكار والوصايا التي تتناول القضايا الحياتية المختلفة، وقد تم نشرها مؤخراً في كتيب تحت عنوان (أيها الأحبة)، وبدورنا ننشر مختارات منها في حلقات:
سكون الحياة:
س: الحياة فترة، هي الزمن، يبدؤها الإنسان وهو واثق أنّها ستنتهي، فيعيش متأثّراً بها ومؤثّراً فيها. كيف يفهم سماحة السيّد الحياة؟
المرجع الراحل السيد فضل الله: ألاّ يجعل الزمن مجرّد لحظات تمرّ، ولكنّه يحاول أن يملأ الزمن بكلّ معاني إنسانيّته حتى يتحوّل الزمن إلى عنصر من العناصر التي تحمل الإنسان في معنى ما يمنحه من الحياة. ربما يتصوّر الإنسانُ الحياةَ في هذه الحياة الجسدية التي تحرّك كلّ أجهزته، ولكنّي أتصوّر أن هذه تمثّل آليّة الحياة وليست الحياة. إنّ إنسانيّة الإنسان عندما يقول: أنا، أو عندما تقول: أنت، ليست هي هذا الجسد، وإنّما الإحساس بكل عنصر داخليّ يتحرّك في إطار هذا الجسد.
إنّني أفهم الحياة هذه الحيويّة العقليّة والروحية والحركية التي تمثل الوجود الإنساني الذي يبحث عن الفكر ينغرس فيه، وعن مستقبل يصنعه، وعن روحٍ يسمو معها ويصفو معها.
بعد كل حياتكم المليئة انطلاقاً، هل تعلنون أنكم فهمتم الحياة فهما كاملاً؟
المرجع الراحل السيد فضل الله: لا يُمكن أن يُعلن الإنسان فهم الحياة، لأنّ الحياة ليست مجرد لوحة مكتملة الملامح والجوانب. إنّ الحياة تعطي في كلّ يوم ، من خلال ما تتمثل في الإنسان، فكراً جديداً، وإحساساً جديداً، وشعوراً جديداً، وتطلعاً جديداً. لذلك، لن يستطيع أحد أن يزعم لنفسه أنّه استطاع أن يكمل الفهم للحياة، إنني أستطيع أن أقول: إنني اغتنيت بالحياة في الجانب المعرفي لكثير من ركائزها وملامحها وحركيتها وصراعاتها وأحداثها، ولكن يبقى من الحياة الكثير لما يتجاوز العمر، ولما ينفتح على أعمارٍ جديدة وعلى أجيال جديدة.