أيها الأحبة ـ 3

نستعرض فيما يلي القسم الثاني من الحوار الذي أجري عام 2000 مع المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله قدس سره، وهو بمثابة مجموعة من الأفكار والوصايا التي تتناول القضايا الحياتية المختلفة، وقد تم نشرها مؤخراً في كتيب تحت عنوان (أيها الأحبة)، وبدورنا ننشر مختارات منها في حلقات:
س: كيف تفهمون (الإنسان) من خلال المنهج الإسلامي؟
المرجع الراحل السيد فضل الله: إن الإنسان تحدده آية قرآنية (إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) ص:71-72، هو قبضة من الطين تربطه بالأرض، ونفخة من روح الله تحلّق به في رحاب الله، وأعتقد أن هذا التزاوج بين الطين وبين الروح الذي جعل الطين يتروّح، وجعل الروح تتجسد، هو الذي يجعل من الإنسان إنساناً يملك مسؤولية خلافة الله على الأرض، على أساس علاقته بالأرض، ووعيه للأرض، وفهمه للأرض، (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا) البقرة:31. وهكذا ينطلق في خلافته للأرض لينتج للأرض ثقافتها وحركيتها وعلاقتها وأوضاعها وخصبها ورخاءها، ويفجر ينابيعها وما إلى ذلك، ليحلق بالأرض إلى السماء، لتقف الأرض بين يدي الله لتتحول إلى سماء في الروح. وبذلك فإنني لا أفهم الإنسان إلا من خلال أنه يعيش إنسانيته في الانفتاح على الله، وفي التحرك في خط المسؤولية، بحيث يعيش العطاء في كل طاقاته: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّـهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) الإنسان:9.
س: (أنا إنساني في تفكيري، ألتقي مع الإنسان في كل مكان) قاعدة تبدو هي المقدمة في كل مسارات حبكم ولقائكم بالآخر، لم كان ذلك؟ وكيف كان؟
المرجع الراحل السيد فضل الله: أنا إنساني، لأن الإنسان عقل وقلب وروح وإرادة وحركة، وبالعقل تنتج الفكر، وبالعقل تنتج العاطفة، وبالروح تنتج الإيمان، وبالإرادة وبالحركة تنتج الحياة. لذلك فإنني أتصور أن هذه الإنسانية التي تتمثل فيها هذه المفردات هي التي يعبّر عنها بكلمة (الفطرة) لجعل الإنسان ينفتح على الله، وينفتح على الحياة من خلال الله. ولهذا فإنني أعتقد أن الإنسان إذا فكّر بإنسانيته أو بفطرته فإنه يلتقي بالحقيقة، ويلتقي بالإنسان الآخر، ويملك أن يحاور الإنسان الآخر، وأن يتعاون معه. لذلك إن المشكلة في كثير من الناس أنهم يعيشون الركام الذي يتجمع فوق الإنسانية، مما يجمعه الإنسان من أطماعه وأحقاده، ومن الأمور الضيقة التي يعيش فيها. مشكلتنا هو هذا الركام المتخلف في أحجاره وفي تعقيداته، الذي يُطبِق على الفطرة فيحجبها عن الانفتاح على الله وعلى الحقيقة. لذلك كنت أدعو إلى أن يعيش الإنسان إنسانيته، وأن يتخلص من كل هذا الركام الذي يُطبق على عقله ليجعله ضيقاً متخلفاً، ويطبق على قلبه ليجعله حاقداً، ويطبق على روحه ليبتعد بها عن عالم السماوات، ويطبق على إرادته ليضعفها، وعلى حركته ليؤطّرها بإطار لا يتسع للإنسان والحياة.