أيها الأحبة ـ 2

نستعرض فيما يلي القسم الثاني من الحوار الذي أجري عام 2000 مع المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله قدس سره، وهو بمثابة مجموعة من الأفكار والوصايا التي تتناول القضايا الحياتية المختلفة، وقد تم نشرها مؤخراً في كتيب تحت عنوان (أيها الأحبة)، وبدورنا ننشر مختارات منها في حلقات:
أحب كل الناس:
س: "لا أحمل في قلبي حقداً على أحد" مرتبة عالية في إنسانيتكم، هل يمكن أن تتحدثوا عن ذلك مع كل هذا الجو الحاقد عليكم؟
المرجع الراحل السيد فضل الله: إنني منذ انطلقت في الحياة تعلمت الحب من الله ومن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن الأئمة عليهم السلام، فقد رأيت أن الله سبحانه وتعالى قد أعطى الرحمة للناس كلهم، والرحمة تمثل حالة حب، فأنا أحب الإنسان كله ولكني أبغض انحرافه وجريمته وكفره وظلمه، وقد ورد عندنا في الحديث: (إن الله يحب العبد ويبغض عمله، ويحب العمل ويبغض بدنه). لقد تعلمت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك عندما قرأت سيرته، ورأيت أنه مفتوح القلب لكل الناس، وأنه كان يقول: (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون). وتعلمت ذلك من علي عليه السلام عندما كان يقول: (احصد الشر من صدر غيرك بقلعه من صدرك).
إنني وأنا أتألم مما يتحرك به كل هؤلاء، ولا أدَّعي لنفسي أنني أبتعد عن الأحاسيس والمشاعر، فقد كان رسول الله ـ كما حدثنا الله تعالى عنه ـ يحزن ويعيش الضيق مما يمكرون، لذا قال الله له: (وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ) لكني أحاول دائماً أن أدرس نقاط الضعف التي فرضت عليهم ذلك. كنت أدرس التخللف الذي يعيشون فيه، والجهل الذي يعيشون فيه، والذاتيات التي يدورون في فلكها، ولذلك كنت أشفق عليهم من أنفسهم أكثر مما أشفق على نفسي منهم.
إنني أؤمن بحقيقة وهي أن عليك أن تحب الذين يخاصمونك لتهديهم، وتحب الذين يوافقونك لتتعاون معهم، وإنني أحب الذين ألتقي معهم لأتعاون معهم على البر والتقوى، وأحب الذين أختلف معهم لأتعاون معهم في الحوار من أجل فهم الحقيقة.. إن الحياة لا تتحمل الحقد، الحقد موت، والمحبة حياة، وأنا أريد أن أن أحيا ولا أريد أن أموت.