خطبة الشيخ علي حسن غلوم حول العلمانية ـ الجزء الأول


ـ [ فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ] الروم / 30
ـ ارتبط الإنسان بالدين وبالإله الأعظم الخالق المالك المدبر منذ أول وجوده على الأرض، لأنه ينبع من فطرته، ويدل عليه العقل ويثبته العلم، وبإعطاء الإنسان الحرية فإنه سيتجه في نفس اتجاه الفطرة والعقل والعلم.
ـ بعض الممارسات السلبية عن الأمناء على الدين دفعت نحو التمرد، ولكن البشرية سرعان ما تعود لتدرك أن الخطأ البشري لا ينبغي أن يحسب على الدين ، وأن الإنسان لا غنى له عن الإيمان بالإله الأعظم .
ـ ومع هذا ظهر الإلحاد والدهرية قديماً في محاولة لنفي وجود الإله الخالق والارتباط بالدين، ولم تستطع الصمود لمنافاتها للفطرة والعقل والعلم.
ـ وظهرت مجددا قبل قرون قليلة تحت عنوان Secularism وتعني الدنيوية أو الدهرية ، وترجمت إلى العلمانية اشتقاقاً من العالم (الدنيا) ، أو العلم، حيث أرادوا نشرها وإقصاء الدين فأعطوها معنى مقبولاً وهو العلم.
ـ تحدثوا عن علمانيتين: جزئية: فصل الدين عن الدولة... و شاملة: فصل القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية عن حياة الإنسان... والآن يقولون أن النوع الأول مرحلة انتهت ولا معنى لطرحها مع قيام الدولة المدنية !!
ـ ونتيجة لعودة مظاهر التدين بقوة إلى ساحة الحياة (لاسيما في المجتمعات الإسلامية)، والنشاط السياسي للتجمعات المتدينة ونجاحها في الوصول إلى الحكم (إيران ـ تركيا ـ غزة ـ الولايات المتحدة) ظهرت الأصولية العلمانية (مصطلح وضع من قبل باحثيْن أمريكيين للدلالة على العلمانية التي تحولت إلى دين وعقيدة مخاصمة تسعى لإلغاء الآخر المختلف وتحاربه حتى لو حصل بأداوتها كالديمقراطية إلى بعض المكتسبات السياسية)، وفي الواقع هذه هي العلمانية الشاملة.
ـ ولذا نجد المواجهة العنيفة مع حزب العدالة والتنمية التركي ومحاولة إسقاط تجربته بطرق ملتوية (وصل بالديمقراطية) / وكذلك حماس وتجويع ومحاصرة مجتمع كامل / وقضية الحجاب مع أنها حرية شخصية .
ـ وركب بعض المثقفين العرب موجة الأصولية العلمانية، فأصبح همهم الأكبر الدين والمتدينون وذوو الاتجاهات السياسية الإسلامية، في خصومة واضحة لا بهدف إقصاء الدين عن عالم السياسة، بل ومحاربة كل مظاهر التدين وان انسجمت مع الذوق العام ومع الأعراف والتقاليد والأخلاق الإنسانية !!
ـ فهمي هويدي: (وعندهم فإن كل من اعتز بدينه ودافع عنه وانحاز إلى نموذجه الحضاري فلابد أن يكون أصولياً... وهو في كل أحواله كائن مشوه، لايؤمن بالدولة المدنية ولايحترم حقوق الإنسان. إذا امتدح الديموقراطية فهو منافق ومخادع، وإذا دافع عن التعددية والآخر فهو كذاب، وإذا تحدث في أمور الوطن فهو مدع يخفي أجندته الحقيقية التي يريد بها إقامة الدولة الدينية. عند هؤلاء فإن المسلم الملتزم لايمكن أن يكون سوياً ولا معتدلاً، ولايمكن أن يكون مكانه خارج التصنيفات التي يحاصرونه فيها. لا هو أصولي ولا إخواني ولا إيراني ولا طالباني. والصورة النمطية التي يريدون ترويجها عنه أنه لا يمكن أن يكون مشغولاً بهموم وطنه وامته، ومن ثم جزءاً من التيار الوطني العريض، وإنما ينبغي أن يظل محاصراً في قضايا التكفير والحجاب والنقاب وتطبيق الحدود وإقامة الإمارة الإسلامية، تمهيداً لإقامة الخلافة وتنصيب الامامة العظمى).
ـ ومن هنا تأتي دعوات هؤلاء للحرية المطلقة (دعوة للاعتراف بالجنس الثالث وإعطاؤهم ما يسمونه حقوقهم المدنية)، كما يأتي استهزاؤهم بالأحكام الإسلامية (من قبيل أحكام العقوبات واعتبارها وحشية) إلخ القائمة.
ـ قبل سنوات في ندوة حول الأديان قلت أن هناك مجانين من الطرفين، ودعوت إلى حوار بين العقلاء من الطرفين، لماذا ؟
1ـ لأن هناك مشتركات إنسانية يمكن من خلالها بناء أرضية للتفاهم والحوار (حقوق الإنسان / العدالة الاجتماعية/ الحرية...)
2ـ ولأن هناك سوء فهم في بعض القضايا يمكن رفعه (نموذج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)
3ـ ولأن هناك قابلية للتطوير والعصرنة يمكن تحقيقها
4ـ ولأن هناك أوطان تئن وتواجه تحديات لا قِـبَـل لها بها
ـ لذا نقول: الموقف المتشنج لذوي الاتجاهات العلمانية والمستورد من الخارج لن يعود على مجتمعاتنا بشئ سوى بالمزيد من التعقيد والصراعات والتفكك، وسيبقى الدين حاضراً مهما فعلوا، وما نخافه حقاً أن تكون أجندة دعاة الأصولية العلمانية ليست سوى الحرب، وبتعبير الأستاذ فهمي هويدي (إنهم يفضلونها حرباً أهلية لتصفية حسابات الصراع الفكري، غير مبالين بإشعال الحرائق في السفينة التي تقل الجميع وهي تترنح موشكة على الغرق).