المسائل الشرعية - صلاة الجمعة

صلاة الجمعة
بحث فقهاء الإمامية وجوب صلاة الجمعة فيما لو لم يكن الذي يؤم المصلين هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الإمام عليه السلام أو المعيَّن من قبل أحدهما، كما هو الحال في العصر الحالي. واختلفوا في ذلك وفق الأدلة التي بين أيديهم إلى عدة آراء، بين مَن يوجب إقامتها تعيّناً، وبين مَن يوجبها على نحو التخيير، بمعنى أن يكون المكلَّف ـ يوم الجمعة ـ مخيراً بين إقامتها وإقامة صلاة الظهر الرباعية، وكلاهما واجب، وإن كانت إقامة الجمعة أفضل، وغير ذلك من الآراء.
ومن خلال تتبعي واستفتائي لعدة من المراجع المعاصرين وجدت أن الأكثر يفتون بالوجوب التخييري، مع أفضلية إقامة الجمعة في هذا العصر وفي أي بلد، وفيما يلي نماذج من تلك الاستفتاءات والسؤال المطروح فيها: (نحن مجموعة من المؤمنين في دولة الكويت توفرت عندنا شرائط صلاة الجمعة طبقاً لفتاواكم في رسالتكم العملية، ما هو رأيكم في إقامتها؟ وما هي نصيحتكم لنا عند إقامتها؟)
ـ المرجع الديني السيد علي السيستاني: صلاة الجمعة واجبة تخييراً على الأشهر، ومعنى ذلك أن المكلف يوم الجمعة مخير بين الإتيان بصلاة الجمعة على النحو الذي تتوفر فيه شرائطها الآتية، وبين الإتيان بصلاة الظهر، ولكن إقامة الجمعة أفضل، فإذا أتى بها مع الشرائط أجزأت عن الظهر.
ـ المرجع الديني الشيخ محمد إسحق الفياض: غير خفي أن إقامة الجمعة أمر مرغوب في الشريعة المقدسة، ومستحب مؤكد، ولها دور كبير إيجابي في تثقيف الناس وتقريب وجهات النظر، ومن هنا على إمام الجمعة أن يغتنم هذه الفرصة المميزة في ضمن الخطبتين الكريمتين، والاستفادة منها بدعوة الناس إلى رص الصفوف وتوحيد الكلمة والتوافق والتلاؤم والتآخي، والابتعاد عن كافة ما يثير الفتنة والبلبلة في البلد، وعن المسائل الطائفية، لأن الكل مسلم، وهو القاسم المشترك بين جميع الطوائف الإسلامية، إذ قوة الإسلام وهيبته وشوكته بوحدة الصف. وأما التفرقة والنفاق فهو مرض سرطاني في جسم الأمة يأكله بلا شعور. وقد أكد على الوحدة والتلاحم بين الطوائف الإسلامية كافة أئمتنا عليهم السلام في غير مورد. وأيضاً على إمام الجمعة الاهتمام ببيان الأحكام الشرعية والآداب والأخلاق.
ـ المرجع الديني الشيخ محمد إبراهيم الجناتي: نحن نعتقد أن صلاة الجمعة من الواجبات الإلهية المهمة ونرى أن هذا الواجب مما أكد على إقامته كتاب الله وسنة رسوله وأوصيائه عليهم السلام، ولذا يجب على جميع المكلفين الاهتمام بإقامتها في يوم الجمعة والحضور والتأييد لها. وعند توفر شروطها يحرم البيع والشراء في وقت النداء لصلاة الجمعة.
ـ وأجاب المرجع الديني الشيخ محمد محمد طاهر الخاقاني جواباً على سؤال وجه إليه حول صلاة الجمعة: صلاة الجمعة أفضل فَرْدَي الواجب، والأدلة واضحة الدلالة والسند من الكتاب والسنة، وقد كتبنا ذلك في رسالة صلاة الجمعة المختصرة.
ـ وسئل المرجع الديني السيد صادق الشيرازي: ما حكم صلاة الجمعة إذا توفرت شروطها؟ وما هي شروطها؟ فأجاب: صلاة الجمعة في زمان الغيبة مع توفر شروطها واجبة وجوباً تخييرياً، أي إن المكلف مخيّر في يوم الجمعة بين صلاة الظهر أو صلاة الجمعة، والأحوط استحباباً أنه إذا صلى الجمعة في هذا الزمان أن يصلي الظهر بعدها أيضاً.
ـ وكتب المرجع الراحل الميرزا عبدالرسول الإحقاقي: يجوز في زمان الغيبة أن يصلي ظهراً أو جمعة إذا اجتمعت شروطها، ولكن الظهر أحوط (وهو احتياط استحبابي).
ـ أما المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله فقد أفتى قبل وفاته بسنوات قلائل بالوجوب التعيني، قال: صلاة الجمعة على رأينا الفقهي واجبة وجوباً عينياً عند توفر شرائط إقامتها، وإذا أقيمت وجب الحضور إذا لم يكن هناك عذر شرعي مانع، والتارك لها مأثوم كترك أية فريضة يومية أخرى. وإني أدعو المؤمنين في الكويت وفي كل البلدان الإسلامية إلى إقامتها وحضورها، فإن الله لم يتحدث عن صلاة في القرآن كما تحدث عن صلاة الجمعة، وأوحى بأن الانشغال عنها باللهو والتجارة يبعد الإنسان عن الخير. وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنها حج المساكين، مما قد يستفاد منها أن الآتي بها يثاب ثواب الحج إذا لم يكن قادراً على الحج مالياً، وجاء عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال ـ في رواية زرارة بن أعين عنه ـ صلاة الجمعة فريضة والاجتماع إليها فريضة مع الإمام، والمقصود به إمام الجمعة لأن الأئمة عليهم السلام لم يستطيعوا إقامتها ولم يقيموها بإمامتهم، وإذا كان بعض المراجع يرون التخيير بينها وبين الظهر فإنهم يرون أفضلية الإتيان بها عن الإتيان بالظهر.
أما الشرائط التي تحدث عنها الفقهاء فهي كما جاءت في منهاج الصالحين للمرجع الديني السيد علي السيستاني:
1. دخول الوقت
2. اجتماع خمسة أشخاص، أحدهم الإمام
3. وجود الإمام الجامع لشرائط الإمامة من العدالة وغيرها، على ما نذكرها فيصلاة الجماعة. (أي أنه يشترط فيه ما يشترط في إمام الجماعة لا أكثر).
4. تعتبر في صحة صلاة الجمعة أمور:
أ. الجماعة، فلا تصح صلاة الجمعة فرادى
ب. أن لا تكون المسافة بينها وبين صلاة جمعة أخرى أقل من فرسخ (5.5 كم).
ج. قراءة خطبتين قبل الصلاة.
ومن الغريب حقاً أن تقام هذه الصلاة في الأوساط الشيعية في العراق والبحرين والقطيف والإحساء وعمان والإمارات وسوريا وأوروبا وأمريكا واستراليا والهند وباكستان فضلاً عن إيران، بينما يتم العزوف عنها في الكويت!! وأعتقد أن كثيراً من الكويتيين قد صلوها في زيارتهم للمراقد المقدسة في إيران والعراق وسوريا على الأقل.
وإذا كان البعض يطرح بعض الإشكالات التاريخية من قبيل: (لماذا لم يصليها أئمتنا عليهم السلام، أو لماذا لم تصلّ عندنا في الكويت فيما سبق، فهذا لا يتعدى أن يكون استفهاماً يبحث عن جواب، لا إشكالاً يمنع من إقامتها. كما أن المقلِّد يرجع إلى فتوى مرجعه في ذلك، ولا يبني الحكم الشرعي من خلال إشكالاته التاريخية بهذا الخصوص.
وأضيف هنا: من قال أن الأئمة عليهم السلام لم يصلوها؟ ولنلاحظ وصية الأئمة في ذلك، فعن عبد الملك بن أعين عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: (مثلُك يهلك ولم يُصلِّ فريضة فرضها الله؟ قال: قلت: كيف أصنع؟ قال: صلوا جماعة، يعني صلاة الجمعة). وعن زرارة بن أعين قال: (حثَّنا أبو عبد الله ـ جعفر الصادق ـ عليه السلام على صلاة الجمعة حتى ظننت أنه يريد أن نأتيه، فقلت: نغدو عليك؟ فقال: لا، إنما عنيت عندكم). علماً بأن الإخوة من البحارنة في الكويت قد دأبوا على أداء صلاة الجمعة منذ أمد بعيد.
إن في صلاة الجمعة من البركة ما لا يعلمه إلا الله، وقد تحدثت عنه بعض الأحاديث الشريفة، وهي دعوة من القلب إلى أئمة الجماعة في الكويت، وإلى عموم الإخوة المصلين إلى إعادة النظر في الموضوع من خلال البحث العلمي.